Tuesday, October 28, 2008

On Mona Hatoum

معرض منى حاطوم في 'دارة الفنون' بعمان: إرساءات غير تقليدية تدين قسوة الحياة وتنتصر للحرية
يحيى القيسي
28/10/2008


عمان ـ 'القدس العربي' تشهد قاعات دارة الفنون ـ مؤسسة خالد شومان بعمان خلال هذه الأيام المعرض الخاص بالفنانة منى حاطوم، وهو متنوع في مواده وطريقة صياغتها، فهناك الإرساء للمواد، أو ما يسمى أحيانا ' الإنشاء'، وهناك الفيديو آرت، وأيضا تقنية خيال الظل، ومنحوتات برونزية وفخارية ملونة، وأعمال حديدية، وهذه المواد أنجزتها حاطوم خلال إقامتها في دارة الفنون بالتعاون مع حرفيين أردنيين وأخرى من المجموعة الخاصة لخالد شومان وغيرها أحضرت خصيصاً للمعرض.
وحاطوم فنانة معروفة على مستوى عالمي، من أصل فلسطيني، تلقت تعليمها في كليتَي 'بيام شو للفنون'، و'سليد للفنون الجميلة' بلندن. أنجزت منذ الثمانينيات أعمالاً في فن الأداء، والفيديو آرت، وبدأت منذ التسعينيات بعمل إنشاءات ضخمة ومنحوتات تحوّل المألوف إلى ما هو مقلق، للتعبير عن حالة المنفى الدائم. أقامت معارض فردية في مؤسسات رفيعة المستوى من مثل: مركز بومبيدو، باريس، المتحف الجديد للفن المعاصر، نيويورك، وتيت بريطانيا، لندن. حازت حاطوم في العام جائزة روسويثا هافتمان، وجائزة سوننج نصف السنوية التي تمنحها جامعة كوبنهاغن 'للأشخاص الذين ساهموا في تقدُّم الحضارة الأوروبية'، لتكون بذلك أول فنانة متخصصة بالفنون البصرية تنال هذه الجائزة.
تبدو تجربة حاطوم مغايرة للمألوف، ومتنوعة، فهناك مثلا مجموعة من الأكياس الترابية التي تشبه الحاجز العسكري في المدن، وقد نمت عليها الأعشاب،وفي هذا دلالة على انتصار الحياة على قسوة الموت، وانتشار اللون الأخضر فوق بشاعة اللون الطيني او الصحراوي، هذا عمل ليس فقط من صنع حاطوم بل تساهم الطبيعة في صياغته، والنباتات تتولى دورا واضحا فيه، وهو عمل مستمرالإنشاء وليس ثابتا، أي هو حيوي،ونابض بالحياة وليس لوحة معلقة على جدار أو ارساء حديدياً أكله الصدأ، ثمة أيضا في المعرض أشكال لقنابل ملونة من الخزف، إنها تبدو جميلة المظهر هنا،ولكنها في الواقع تجلب معها الدمار، وهناك اشتغال على خيال الظل، ففي الغرفة المعتمة ضوء لمبة يخترق فانوساً حديدياً فرغته حاطوم على شكل اشكال لجنود مع بنادقهم، وفيما هو يدور حول نفسه يتحرك ظل الجنود على جدران الغرفة المعتمة فيما يشبه العرض السينمائي للفانوس السحري، من الواضح انها فنانة تجيد البحث عن افكار جديدة، مبتكرة، وتصنع من المألوف شيئا مختلفا ومثيرا من الناحية البصرية ،ومن الدلالات التي تحملها . ثمة عرض فيديوي ( فيديو آرت ) لامرأة تمشي في أحد الشوارع جارة خلف قدميها بسطارا عسكريا، أي انها لا تلبس البسطار بل تتحمل ثقله وشدها إلى الخلف، إن قدميها العاريتين، تنوءان بالحمل الثقيل على أرض قاسية، هل يمكن اعتبار أن المرأة هنا ضحية لجنون العسكر والحروب،كل الدلالات ممكنة فالنصوص البصرية هنا مفتوحة على التأويل، وأيضا تمكن مشاهدة حطة فلسطينية يخرج الشعر البشري منها أ وسرير حديدي مع أشواك حادة فوقه، أو سلة من الخيزران لم تكتمل أو منسولة أولا بأول .
تبدو الأعمال بالنسبة للبعض مألوفة ومستهلكة في اليومي والعادي، ولكن هذه هي السهولة الممتنعة، فمن يتقن أن يؤالف بينها، ويخرج من بين مواتها عملا نابضا بالحياة؟ ربما وحدها حاطوم من أتقن ذلك وبكل جرأة،ولهذا لاقت اعمالها الكثير من التشجيع والتكريم، وكتب عنها أيضا المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد مقالا جاء فيه 'في عصر المهاجرين، وحظر التجول، وبطاقات الهوية، واللاجئين، والمنافي والمذابح والخيام وهروب المواطنين... إنها الأدوات الثابتة للذاكرة التي تواجه نفسها وملاحقتها واضطهادها للآخرين'.
تقول في حوار معها أجرته الفنانة جانين انتوني لمجلة بومب النيويوركية ردا عن سؤال عن هويتها وطبيعة أعمالها ايضا :
ا .......لأسباب لن أدخل الآن في تفاصيلها، اكتسبت عائلتي الجنسيةَ البريطانية، وهكذا امتلكتُ جواز سفر بريطانياً منذ ولادتي. نشأت في بيروت في كنف عائلة عانت من خسائر مهولة، وعاشت إحساس من اقتُلع من مكانه. عندما ذهبت في العام 1975 في زيارة إلى لندن، خُطّط لها أن تكون قصيرة، وجدت نفسي غير قادرة على العودة بسبب اندلاع الحرب في لبنان، الأمر الذي جعلني أعيش نوعاً آخر من الاقتلاع من المكان. تجلّت هذه الحالة في عملي على شكل إحساس بالانفصال. على سبيل المثال في عملي المسمى اLight Sentenceب (حكم مخفَّف) تحدث حركة مصباح النور حركةً متواصلة في ظلال الخزائن السلكية، فينشأ إحساس كبير بعدم الاستقرار. وعند الدخول في المكان يتولّد انطباع بأن الغرفة برمّتها تتأرجح، ويصاحب ذلك شعور مقلق بأن أرضية الغرفة تتزحزح تحت الأقدام. هذا جو ما يزال متقلباً باستمرار من غير أن تكون فيه وجهة نظر واحدة أو مرجعية محددة. ثمة إحساس مفعم بالقلق وعدم الاستقرار داخل العمل. هذه إحدى الطرق التي يظهر العملُ فيها متأثراً بخلفيتي. ومن ناحية أخرى فقد مضى عليّ نصف عمري وأنا مقيمة في الغرب، لذلك حين أتحدث عن أعمال مثل احكم مخفَّف'، أو اQuartersب (أرباع)، أو اCurrent Disturbanceب (اضطراب حالي) بوصفها أعمالاً تشير إلى نوع من العنف المؤسساتي، فإنني أتحدث عن التقاء مجموعة بنى معمارية ومؤسساتية في البيئة الحضرية بالغرب، والتي تدور حول إخضاع الأفراد إلى نسق موحد، لتثبيتهم داخل مكان ما ووضعهم تحت المراقبة. ما أحاول قوله هنا إن أعمالي تُعنى بالحقائق المتعلقة بجذوري قدر عنايتها بتقديم صورة أو تصوّر عن البنى المؤسساتية والسلطوية للغرب والتي وجدت نفسي أعايشها على امتداد السنوات العشرين الأخيرة.
وتواصل ردا على سؤال عن طبيعة فنها الاختزالي ومفاهيمه :
' كنتُ شديدة الانبهار بالفنَّين الاختزالي والمفاهيمي خلال دراستي لنيل الشهادة الأولى، وبعد انتقالي إلى الجامعة، وكان هذا لقائي الأول مع مؤسسة بيروقراطية كبيرة، أصبحتُ منشغلة بتحليل بنى السلطة، أولاً في ما يتعلق بالنسوية، وبصيغة أوسع في ما بعد كما هو الحال في العلاقة بين العالم الثالث والغرب. فقد قادني ذلك إلى تقديم أعمال أدائية مليئة بالتحدي وقائمة على قضية معينة، كانت أعمالاً مشحونة بالغضب والإحساس بالمطالبة الملحّة. في وقت لاحق، وعندما دخلت ميدان العمل الإنشائي وصناعة الأغراض، لا أريد أن أقول إنني عدت ثانية إلى جماليات الأسلوب الاختزالي، ولكنني اتبعت اتجاهاً تكثيفياً، حيث يمكن النظر إلى أشكالي بوصفها بنى جمالية مجردة، ولكن بالإمكان أيضاً معاينتها على أنها أقفاص وخزائن ومقاعد وأسرّة وغيرها. بذلك أصبح العمل مليئاً بالتداعيات والمعاني، بل أصبح صورة تعكس الأجواءَ الاجتماعية التي نعيش فيها. وعلى العكس من الفن الاختزالي، فإن هذه الأعمال لا تفصح عن نفسها ' .
وكتبت أليكس أولين مقالا نقديا مطولا عن اعمال حاطوم نشر عام 2002 جاء فيه :
'.. مؤخراً، غادر فن حاطوم إلى مناطق جديدة في الوقت الذي يحافظ فيه على وعي بالقضايا النسوية والسياسية. وبدلاً من إقامة عروض يحضر فيها الجسد حضوراً مادياً، يميل العمل إلى تقديم أغراض منزلية، كالأثاث وأدوات المطبخ، وهي أغراض لا تظهر علاقة الإنسان بها بوضوح، وإنما يحضر الإنسان فيها ضمنياً. غالباً ما يتم احتواء هذه الأغراض في أقفاص وحواجز تعزلها عن المشاهد، كما لو كانت داخل زنزانة. تخلق القطع التركيبية الناتجة التي تخلّى الناس عنها وما تزال مسكونة بحضورهم، أجواءً من الضغينة تشير إلى أنها من مخلّفات أعمال العنف. وبوضع هذه الأعمال بكل عناية داخل فجوة كبيرة من فضاء المتحف، يمكن أن يراها المشاهد على أنها قطع أثرية لحضارة مضطربة وربما متخيّلة، ومن الممكن الحكم عليها من خلال طبيعتها.
في عملها المسمى اHomeboundب (متجه إلى البيت) (2000)، وهو عمل شاركت به حاطوم في معرضها الشخصي الذي أقيم في متحف تيت البريطاني بعنوان: اThe Entire World as a Foreign Land ا (كل العالم كأرض غريبة)، هناك محتويات مطبخ وغرفة نوم معروضة داخل مساحة فارغة خلف سور من الأسلاك. وعلى الرغم من أن هذه الأشياء نقلت من المبنى الذي كان يحتضنها، إلا أنها مرتبة كما لو كانت داخل المنزل: فالكراسي، على سبيل المثال، منتظمة حول مائدة الطعام كما تكون عادةً داخل المطبخ. وفوق المائدة تتبعثر أدوات المطبخ المختلفة: مبرشة أجبان، ومنخل، ومصفاة. يمر داخل هذه الأدوات شريط من مصابيح ضوئية، مشعة ومعتمة، وقد ضُخّم التيار الكهربائي ذي 240 فولتاً الذي يربط بينها ليطلق أزيزاً باعثاً على التهديد. يتضمن أثاث المشهد أيضاً مهداً ومصباح منضدة وقفصَ طائر وأريكة جُرّدت إلا من إطارها الحديدي، ولا يظهر في المكان أي أثر لفَرْشَة أو قماش يلطّف الأطراف القاسية لهذه الأشياء الهيكلية.
أين ذهب الناس الذين كانوا في يوم ما يقيمون في هذا المنزل الغريب وغير المريح؟ إنهم إما تخلّوا عنه أو أُجبروا على إخلائه؛ فالسور المصنوع من الأسلاك قد وُضع إما لحماية المشاهد الواقف في الخارج، أو لحجز العائلة في الداخل. ينبعث من المكان إحساس بوقوع كارثة غير معلومة. أغلب الظن أن المشهد ينطوي على أسرار أحداث غامضة من الماضي، ليتنا نعرف كيف نفسرها..'.
بقيت الإشارة هنا إلى أن السيرة الفنية والحياتية التفصيلية لحاطوم تقول بأنها من مواليد بيروت في العام 1952 لعائلة فلسطينية، أقامت منذ العام 1975 في لندن وعملت فيها. ذهبت إلى لندن في زيارة مبدئية ولكن اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية منعها من العودة.
بعد أن أتمت دراستها في 'كلية بيام شو للفنون' و'كلية سليد للفنون الجميلة'، في أواسط الثمانينيات اشتُهرت حاطوم لما أنجزته من أعمال في فن الأداء والفيديو، والتي ركّزت بشكل مكثف على الجسد. وفي مطلع التسعينيات بدأت حاطوم تتجه بشكل أكبر نحو الإنشاءات الضخمة التي تهدف إلى إثارة المشاعر المتضاربة لدى المشاهد، كالرغبة والاشمئزاز والخوف والانبهار. بمرور الوقت، طورت حاطوم لغةً تتحول من خلالها متعلقات المنـزل المألوفة، مثل المقاعد والأسرّة ومهود الأطفال وأواني المطبخ، إلى أشياء غريبة ومُهَدِّدَة، وأحياناً خطرة. حتى الجسم البشري يُصوّر كشيء مجهول في فن الفيديو الإنشائي بعنوان 'جسم غريب' (1994) الذي يتتبع رحلة جهازِ تنظيرٍ داخلي وهو يستكشف زوايا جسمها.
عُرِضَت أعمال حاطوم ضمن معارض شخصية لها في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا. في عامَي 1997-1998 أقيم معرض شامل لتجربتها نظم من قبل 'متحف الفن المعاصر' في شيكاغو، وطاف هذا المعرض في 'المتحف الجديد للفن المعاصر' بنيويورك، و'متحف الفن الحديث' بأكسفورد، و'غاليري اسكتلندا الوطني للفن الحديث' بمدينة ادنبرة. أقامت معارض فردية أخرى في 'مركز جورج بومبيدو' بباريس (1994)، و'مركز كاستيلو دي ريفولي' بتورين (1999). أقامت معرضاً بعنوان 'اضطراب منزلي' في 'سايت سانتا فيه' و'ماس موكا' بأمريكا (2000-2001)، بالإضافة إلى معرض شامل لأعمالها في 'مركز سلمانكا للفن' و'مركز جاليجو للفن المعاصر' بإسبانيا (2002-2003). معرضها بعنوان 'كل العالم كأرض غريبة' كان المعرض الافتتاحي لانطلاقة 'متحف تيت بريطانيا' (2000).
في العام 2004 نُظّم معرض أكثر شمولية لأعمالها بمبادرة من 'متحف هامبرغ للفن'، تضمن أعمالاً إنشائية أُنجزت بشكل خاص لهذا المعرض، ومن ثم طاف في كل من 'متحف بون للفن'، و'متحف استوكهولم للفن ـ مجازيين 3' و'متحف الفن المعاصر' بسيدني. كما وشاركت حاطوم في 'بينالي البندقية' (1995)، و'بينالي اسطنبول' (1995)، و'دوكيومنتا 11' (2002)، و'بينالي البندقية' (2005)، و'بينالي سيدني الخامس عشر' (2006)، و'ترينالي أوكلاند الثالث' (2007).
وقد كان 'بينالي دونا 13' (2008) والذي أقيم في قصر مسّاري بمدينة 'فيرارا' مكرس لمعرض شخصي لها بعنوان 'تيار خفي'. كانت حاطوم فنانة مقيمة في برنامج 'دآد' الألماني (2003-2004)، ومنذ العام 2004 تتنقل بين برلين ولندن. حازت في عام 2004 على جائزة 'سوننج' المرموقة التي تمنحها جامعة كوبنهاغن كل عامين. وحازت على جائزة 'روسويثا هافتمان' في 'زيورخ' بسويسرا.

(alquds.co.uk)